الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي مَلَكَهَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ وَبَيَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا قَبَضَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ زَالَ عَنْهَا وَصْفُ الصَّدَقَةِ وَحَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَحْم الشَّاة الَّذِي أَعْطَيْته مَوْلَاة جُوَيْرِيَةَ مِنْ الصَّدَقَة-: «قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا» هُوَ بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ زَالَ عَنْهَا حُكْم الصَّدَقَة. وَصَارَتْ حَلَالًا لَنَا. وَفِي دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ لَحْم الْأُضْحِيَّة إِذَا قَبَضَهُ الْمُتَصَدَّق عَلَيْهِ وَسَائِر الصَّدَقَات يَجُوز لِقَابِضِهَا بَيْعهَا، وَيَحِلّ لِمَنْ أَهْدَاهَا إِلَيْهِ أَوْ مَلَكَهَا مِنْهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: لَا يَجُوز بَيْع لَحْم الْأُضْحِيَّة لِقَابِضِهَا. 1786- قَوْله: (كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس) ثُمَّ قَالَ فِي الطَّرِيق الْآخَر: (حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ قَتَادَة سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك) فيه التَّنْبِيه عَلَى اِنْتِفَاء تَدْلِيس قَتَادَة؛ لِأَنَّهُ عَنْعَنَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى، وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ فِي الثَّانِيَة، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُدَلِّس لَا يُحْتَجّ بِعَنْعَنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ الْحَدِيث مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخ مِنْ طَرِيق آخَر، فَنَبَّهَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. 1787- قَوْله: عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة: «وَأُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمِ بَقَرٍ» هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا (وَأُتِيَ) بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضهَا (أُتِيَ) بِغَيْرِ (وَاوٍ) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى بَعْضٍ مِنْ الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا. 1788- قَوْله: (كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ) فَذَكَرَ مِنْهَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَلَكُمْ هَدِيَّة»، وَلَمْ يَذْكُر هُنَا الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَهُمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ، وَتَخْيِيرُهَا فِي فَسْخ النِّكَاح حِينَ أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَسَيَأْتِي بَيَان الثَّلَاث مَشْرُوحَةً- إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- فِي كِتَاب النِّكَاح. 1789- قَوْلهَا: «إِلَّا أَنَّ نُسَيْبَة بَعَثَتْ إِلَيْنَا» هِيَ نُسَيْبَة بِضَمِّ النُّون وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْيَاء، وَيُقَال فيها أَيْضًا: (نَسِيبَةٌ) بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر السِّين، وَهِيَ أُمُّ عَطِيَّةَ. .باب قَبُولِ النَّبِيِّ الْهَدِيَّةَ وَرَدِّهِ الصَّدَقَةَ: .باب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَتِهِ: .باب إِرْضَاءِ السَّاعِي مَا لَمْ يَطْلُبْ حَرَامًا: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم .كِتَاب الصِّيَام: .باب فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ: وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِذَا كَانَ رَمَضَان فَتَحْت أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب جَهَنَّم وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين». وَفِي رِوَايَة: «إِذْ دَخَلَ رَمَضَان» فيه دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُقَال: (رَمَضَان) مِنْ غَيْر ذِكْر الشَّهْر بِلَا كَرَاهَة، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة مَذَاهِب: قَالَتْ طَائِفَة: لَا يُقَال: رَمَضَان عَلَى اِنْفِرَادِهِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يُقَال: شَهْر رَمَضَان، هَذَا قَوْل أَصْحَاب مَالِك، وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَان اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى فَلَا يُطْلَق عَلَى غَيْره إِلَّا بِقَيْدٍ. وَقَالَ أَكْثَر أَصْحَابنَا وَابْن الْبَاقِلَّانِيّ: إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَة تَصْرِفُهُ إِلَى الشَّهْر فَلَا كَرَاهَة، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، قَالُوا: فَيُقَال: صُمْنَا رَمَضَان، قُمْنَا رَمَضَان، وَرَمَضَان أَفْضَل الْأَشْهُر، وَيُنْدَب طَلَبُ لَيْلَة الْقَدْر فِي أَوَاخِر رَمَضَان، وَأَشْبَاه ذَلِكَ؛ وَلَا كَرَاهَة فِي هَذَا كُلّه، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَال: جَاءَ رَمَضَان وَدَخَلَ رَمَضَان، وَحَضَرَ رَمَضَان وَأُحِبُّ رَمَضَانَ؛ وَنَحْو ذَلِكَ. وَالْمَذْهَب الثَّالِث مَذْهَب الْبُخَارِيّ وَالْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِي إِطْلَاق رَمَضَان بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَب هُوَ الصَّوَاب؛ وَالْمَذْهَبَانِ الْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَة إِنَّمَا تَثْبُت بِنَهْيِ الشَّرْع وَلَمْ يَثْبُت فيه نَهْي؛ وَقَوْلهمْ: إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ وَلَمْ يَصِحّ فيه شَيْء؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فيه أَثَرٌ ضَعِيفٌ، وَأَسْمَاء اللَّه تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اِسْم لَمْ يَلْزَم مِنْهُ كَرَاهَة. وَهَذَا الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب صَرِيح فِي الرَّدّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ؛ وَلِهَذَا الْحَدِيث نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيح فِي إِطْلَاق رَمَضَان عَلَى الشَّهْر مِنْ غَيْر ذِكْر الشَّهْر، وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيه عَلَى كَثِير مِنْهَا فِي كِتَاب الْإِيمَان وَغَيْره. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُتِّحَتْ أَبْوَاب الْجَنَّة وَأُغْلِقَتْ أَبْوَاب النَّار وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِين» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: يَحْتَمِل أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره وَحَقِيقَته، وَأَنَّ تَفْتِيحَ أَبْوَاب الْجَنَّة وَتَغْلِيق أَبْوَاب جَهَنَّم وَتَصْفِيد الشَّيَاطِين عَلَامَة لِدُخُولِ الشَّهْر، وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَتِهِ، وَيَكُون التَّصْفِيد لِيَمْتَنِعُوا مِنْ إِيذَاء الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّهْوِيش عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمَجَاز، وَيَكُون إِشَارَة إِلَى كَثْرَة الثَّوَاب وَالْعَفْو، وَأَنَّ الشَّيَاطِين يَقِلُّ إِغْوَاؤُهُمْ وَإِيذَاؤُهُمْ فَيَصِيرُونَ كَالْمُصَفَّدِينَ، وَيَكُون تَصْفِيدهمْ عَنْ أَشْيَاء دُون أَشْيَاء، وَلِنَاسٍ دُون نَاسٍ، وَيُؤَيِّد هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «فُتِّحَتْ أَبْوَاب الرَّحْمَة» وَجَاءَ فِي حَدِيث آخَر: «صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ» قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فَتْح أَبْوَاب الْجَنَّة عِبَارَة عَمَّا يَفْتَحهُ اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَات فِي هَذَا الشَّهْر الَّتِي لَا تَقَع فِي غَيْره عُمُومًا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَام وَفِعْل الْخَيْرَات وَالِانْكِفَاف عَنْ كَثِير مِنْ الْمُخَالَفَات، وَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّة وَأَبْوَابٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ تَغْلِيق أَبْوَاب النَّار وَتَصْفِيد الشَّيَاطِين عِبَارَة عَمَّا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ مِنْ الْمُخَالَفَات، وَمَعْنَى صُفِّدَتْ: غُلِّلَتْ، وَالصَّفَد بِفَتْحِ الْفَاء (الْغُلّ) بِضَمِّ الْغَيْن، وَهُوَ مَعْنَى سُلْسِلَتْ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، أَوْ فيه أَحْرُفٌ بِمَعْنَى كَلَامِهِ. .باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ وَأَنَّهُ إِذَا غُمَّ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أُكْمِلَتْ عِدَّةُ الشَّهْرِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا: هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا فِي الْكِتَاب عَلَى هَذَا التَّرْتِيب، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ: «فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ». وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى: «فَاقْدُرُوا لَهُ» فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْت السَّحَاب، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره مِمَّنْ يُجَوِّز صَوْم يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ عَنْ رَمَضَان كَمَا سَنَذْكُرُهُ- إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- وَقَالَ اِبْن سُرَيْج وَجَمَاعَة- مِنْهُمْ: مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه وَابْن قُتَيْبَة وَآخَرُونَ-: مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِل، وَذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجُمْهُور السَّلَف وَالْخَلَف إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: قَدِّرُوا لَهُ تَمَام الْعَدَد ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: قَدَّرْت الشَّيْء أُقَدِّرهُ وَأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْته وَأَقْدَرْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مِنْ التَّقْدِير، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِالرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَة، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة ثَلَاثِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِاقْدُرُوا لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ، بَلْ تَارَة يَذْكُر هَذَا، وَتَارَة يَذْكُر هَذَا، وَيُؤَكِّدهُ الرِّوَايَة السَّابِقَة: «فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»، قَالَ الْمَازِرِيّ: حَمَلَ جُمْهُور الْفُقَهَاء قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْدُرُوا لَهُ، عَلَى أَنَّ الْمُرَاد كَمَالُ الْعِدَّة ثَلَاثِينَ، كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيث آخَر، قَالُوا: وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد حِسَاب الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ النَّاس لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ، وَالشَّرْع إِنَّمَا يُعَرِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» فَمَعْنَاهُ: حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، غَيْمٌ، يُقَال: غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيم وَتَخْفِيفهَا وَالْغَيْن مَضْمُومَة فيهمَا، وَيُقَال: غُبِّيَ بِفَتْحِ الْغَيْن وَكَسْر الْبَاء، وَكُلّهَا صَحِيحَة، وَقَدْ غَامَتْ السَّمَاء وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهُ لَا يَجُوز صَوْم يَوْم الشَّكّ وَلَا يَوْم الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان عَنْ رَمَضَان إِذَا كَانَتْ لَيْلَة الثَّلَاثِينَ لَيْلَة غَيْم. 1801- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا» وَفِي رِوَايَة: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَحَاصِله أَنَّ الِاعْتِبَار بِالْهِلَالِ فَقَدْ يَكُون تَامًّا ثَلَاثِينَ، وَقَدْ يَكُون نَاقِصًا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَقَدْ لَا يُرَى الْهِلَال فَيَجِب إِكْمَال الْعَدَد ثَلَاثِينَ، قَالُوا: وَقَدْ يَقَع النَّقْص مُتَوَالِيًا فِي شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة، وَلَا يَقَع فِي أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز اِعْتِمَاد الْإِشَارَة الْمُفْهِمَة فِي مِثْل هَذَا. 1803- قَوْله: (حَدَّثَنَا زِيَاد بْن عَبْد اللَّه الْبَكَّائِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ. 1806- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» قَالَ الْعُلَمَاء: «أُمِّيَّة» بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْنَا عَلَيْهِ الْأُمَّهَات لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسُبُ، وَمِنْهُ النَّبِيّ الْأُمِّيُّ، وَقِيلَ: هُوَ نِسْبَةٌ إِلَى الْأُمّ وَصِفَتهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَة النِّسَاءِ غَالِبًا. 1807- قَوْله: (سَمِعَ اِبْن عُمَر رَجُلًا يَقُول: اللَّيْلَة النِّصْف، فَقَالَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّيْلَة النِّصْف) وَذَكَرَ الْحَدِيث، مَعْنَاهُ: أَنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ اللَّيْلَة النِّصْف أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَأَنْتَ أَرَدْت أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بِتَمَامِهِ يَتِمّ النِّصْف، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحّ عَلَى تَقْدِير تَمَامه، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ تَامٌّ أَمْ لَا. 1809- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» الْمُرَاد رُؤْيَة بَعْض الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُشْتَرَط رُؤْيَة كُلّ إِنْسَان، بَلْ يَكْفِي جَمِيع النَّاس رُؤْيَةُ عَدْلَيْنِ، وَكَذَا عَدْل عَلَى الْأَصَحّ، هَذَا فِي الصَّوْم، وَأَمَّا الْفِطْر فَلَا يَجُوز بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ عَلَى شَوَّال عِنْد جَمِيع الْعُلَمَاء إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ. 1810- قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْر» هُوَ بِضَمِّ الْغَيْن وَكَسْر الْمِيم مُشَدَّدَةً وَمُخَفَّفَةً. .باب لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ: .باب الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ: 1813- سبق شرحه بالباب. 1814- سبق شرحه بالباب. 1815- سبق شرحه بالباب. 1816- سبق شرحه بالباب. .(بَاب بَيَان أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا الْهِلَال بِبَلَدٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ): 1819- قَوْله: (وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ) هُوَ بِضَمِّ التَّاء مِنْ اِسْتَهَلَّ. .(بَاب بَيَان أَنَّهُ لَا اِعْتِبَار بِكِبَرِ الْهِلَال وَصِغَره وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ غُمَّ فَلْيُكْمِلْ ثَلَاثُونَ): 1820- قَوْله: «تَرَاءَيْنَا الْهِلَال» أَيْ تَكَلَّفْنَا النَّظَر إِلَى جِهَته لِنَرَاهُ. قَوْله: «عَنْ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدّه لِلرُّؤْيَةِ» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا: فَقَالَ: إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّه مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ». وَجَمِيع النُّسَخ مُتَّفِقَة عَلَى مَدِّهِ مِنْ غَيْر أَلِف فيها. قَوْله فِي الْإِسْنَاد: (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة، وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفَتْح التَّاء، وَاسْمه (سَعِيد بْن فَيْرُوز) وَيُقَال: (اِبْن عِمْرَانَ) وَيُقَال: (اِبْن أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيّ) تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عَامَ الْجَمَاجِمِ. 1821- فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ». هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ أَمَدَّهُ بِأَلِفٍ فِي أَوَّله. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْضهمْ: الْوَجْه أَنْ يَكُون أَمَدَّهُ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْإِمْدَاد، وَمَدَّهُ مِنْ الِامْتِدَاد. قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّوَاب عِنْدِي بَقَاء الرِّوَايَة عَلَى وَجْههَا، وَمَعْنَاهُ أَطَالَ مُدَّتَهُ إِلَى الرُّؤْيَة. يُقَال مِنْهُ مَدَّ وَأَمَدَّ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ يُطِيلُونَ لَهُمْ قَالَ: وَقَدْ يَكُون أَمَدَّهُ مِنْ الْمَدَّة الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ. قَالَ صَاحِب الْأَفْعَال: أَمْدَدْتُكَهَا أَيْ أَعْطَيْتُكهَا. .باب بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ»: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا» وَغَيْر ذَلِكَ، فَكُلّ هَذِهِ الْفَضَائِل تَحْصُل سَوَاءٌ تَمَّ عَدَد رَمَضَان أَمْ نَقَصَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .باب بَيَانِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَنَّ لَهُ الأَكْلَ وَغَيْرَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَبَيَانِ صِفَةِ الْفَجْرِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الأَحْكَامُ مِنَ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَدُخُولِ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَلِلْعُلَمَاءِ فيه شُرُوح: أَحْسَنُهَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ الْعَقْلَيْنِ وَجَعَلَهُمَا تَحْت رَأْسه، وَتَأَوَّلَ الْآيَة لِكَوْنِهِ سَبَقَ إِلَى فَهْمِهِ أَنَّ الْمُرَاد بِهَا هَذَا، وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَهُ، حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّ الْمُرَاد بِهِ بَيَاض النَّهَار وَسَوَاد اللَّيْل، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ هَذَا كَانَ حُكْم الشَّرْع أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ الْفَجْرِ} كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّاوُدِيّ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَتَأَوَّلَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ مِنْ الْأَعْرَاب وَمَنْ لَا فِقْهَ عِنْده، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لُغَته اِسْتِعْمَال الْخَيْط فِي اللَّيْل وَالنَّهَار؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوز تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة، وَلِهَذَا أَنْكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدِيّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ وِسَادك لَعَرِيض إِنَّمَا هُوَ بَيَاض النَّهَار وَسَوَاد اللَّيْل» قَالَ: وَفيه أَنَّ الْأَلْفَاظ الْمُشْتَرَكَة لَا يُصَار إِلَى الْعَمَل بِأَظْهَرِ وُجُوهِهَا، وَأَكْثَر اِسْتِعْمَالهَا إِلَّا إِذَا عُدِمَ الْبَيَان وَكَانَ الْبَيَان حَاصِلًا بِوُجُودِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْخَيْط الْأَبْيَض: الْفَجْر الصَّادِق، وَالْخَيْط الْأَسْوَد: اللَّيْل، وَالْخَيْط: اللَّوْن، وَفِي هَذَا مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَوَاد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار» دَلِيل عَلَى أَنَّ مَا بَعْد الْفَجْر هُوَ مِنْ النَّهَار لَا مِنْ اللَّيْل، وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَحُكِيَ فيه شَيْء عَنْ الْأَعْمَش وَغَيْره لَعَلَّهُ لَا يَصِحّ عَنْهُمْ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ وِسَادك لَعَرِيض» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْت تَحْت وِسَادك الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّه تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَوِسَادُك يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا، وَحِينَئِذٍ يَكُون عَرِيضًا، وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا» لِأَنَّ مَنْ يَكُون هَذَا وِسَادَهُ يَكُون عِظَم قَفَاهُ مَنْ نِسْبَته بِقَدْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّك لَضَخْمٌ» وَأَنْكَرَ الْقَاضِي قَوْل مَنْ قَالَ: إِنَّهُ كِنَايَة عَنْ الْغَبَاوَة أَوْ عَنْ السِّمَن لِكَثْرَةِ أَكْله إِلَى بَيَان الْخَيْطَيْنِ، وَقَالَ بَعْضهمْ: الْمُرَاد بِالْوِسَادِ النَّوْم، أَيْ إِنَّ نَوْمَك كَثِيرٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ اللَّيْل، أَيْ مَنْ لَمْ يَكُنْ النَّهَار عِنْده إِلَّا إِذَا بَانَ لَهُ الْعِقَالَانِ طَالَ لَيْلُهُ وَكَثُرَ نَوْمُهُ، وَالصَّوَاب مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاَللَّه أَعْلَم. 1826- قَوْله: «رَبَطَ أَحَدهمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْط الْأَسْوَد وَالْخَيْط الْأَبْيَض وَلَا يَزَال يَأْكُل وَيَشْرَب حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُ رِئْيُهُمَا» هَذِهِ اللَّفْظَة ضُبِطَتْ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهمَا: (رِئْيَهما) بِرَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ، وَمَعْنَاهُ مَنْظَرُهُمَا، وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى: {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}. وَالثَّانِي: (زِيُّهُمَا) بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِلَا هَمْزَةٍ وَمَعْنَاة لَوْنُهُمَا. وَالثَّالِث: (رَيُّهُمَا) بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرهَا وَتَشْدِيد الْيَاء، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا غَلَط هُنَا؛ لِأَنَّ الرَّيّ التَّابِع مِنْ الْجِنّ قَالَ: فَإِنْ صَحَّ رِوَايَةً فَمَعْنَاهُ مَرْي. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1828- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ اِبْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» فيه: جَوَاز الْأَذَان لِلصُّبْحِ قَبْل طُلُوع الْفَجْر. وَفيه: جَوَاز الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع وَسَائِر الْأَشْيَاء إِلَى طُلُوع الْفَجْر. وَفيه جَوَاز أَذَان الْأَعْمَى، قَالَ أَصْحَابنَا: هُوَ جَائِز، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ بِلَال فَلَا كَرَاهَة فيه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَصِير كُرِهَ لِلْخَوْفِ مِنْ غَلَطِهِ. وَفيه اِسْتِحْبَاب أَذَانَيْنِ لِلصُّبْحِ أَحَدهمَا قَبْل الْفَجْر، وَالْآخَر بَعْد طُلُوعه أَوَّلَ الطُّلُوع. وَفيه اِعْتِمَاد صَوْت الْمُؤَذِّن، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِك وَالْمُزَنِيّ وَسَائِر مَنْ يَقْبَل شَهَادَة الْأَعْمَى، وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْ هَذَا بِأَنَّ الشَّهَادَة يُشْتَرَط فيها الْعِلْم وَلَا يَحْصُل عِلْم بِالصَّوْتِ لِأَنَّ الْأَصْوَات تَشْتَبِهُ، وَأَمَّا الْأَذَان وَوَقْت الصَّلَاة فَيَكْفِي فيها الظَّنّ. وَفيه دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْأَكْل بَعْد النِّيَّة، وَلَا تَفْسُد نِيَّة الصَّوْم بِالْأَكْلِ بَعْدهَا، لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْأَكْل إِلَى طُلُوع الْفَجْر، وَمَعْلُوم أَنَّ النِّيَّة لَا تَجُوز بَعْد طُلُوع الْفَجْر، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سَابِقَة، وَأَنَّ الْأَكْل بَعْدهَا لَا يَضُرّ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: مَتَى أَكَلَ بَعْد النِّيَّة أَوْ جَامَعَ فَسَدَتْ، وَوَجَبَ تَجْدِيدهَا، وَإِلَّا فَلَا يَصِحّ صَوْمه، وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ. وَفيه اِسْتِحْبَاب السُّحُور وَتَأْخِيره. وَفيه اِتِّخَاذ مُؤَذِّنَيْنِ لِلْمَسْجِدِ الْكَبِير، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَة جَازَ اِتِّخَاذ أَكْثَر مِنْهُمَا، كَمَا اِتَّخَذَ عُثْمَان أَرْبَعَة، وَإِنْ اِحْتَاجَ إِلَى زِيَادَة عَلَى أَرْبَعَة فَالْأَصَحّ اِتِّخَاذُهُمْ بِحَسَبِ الْحَاجَة وَالْمَصْلَحَة. 1829- قَوْله: «وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِل هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْل الْفَجْر، وَيَتَرَبَّص بَعْد أَذَانه لِلدُّعَاءِ وَنَحْوه، ثُمَّ يَرْقُب الْفَجْر فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعه نَزَلَ فَأَخْبَرَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَيَتَأَهَّبُ اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرهَا، ثُمَّ يَرْقَى وَيَشْرَع فِي الْأَذَان مَعَ أَوَّل طُلُوع الْفَجْر. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1830- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَان بِلَال أَوْ نِدَاء بِلَال مِنْ سَحُوره فَإِنَّهُ يُؤَذِّن أَوْ قَالَ: يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ» فَلَفْظَةُ: «قَائِمكُمْ» مَنْصُوبَة مَفْعُول (يَرْجِع) قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَك اللَّهُ} وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّن بِلَيْلٍ لِيُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْفَجْر لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَيَرُدّ الْقَائِم الْمُتَهَجِّد إِلَى رَاحَتْهُ لِيَنَامَ غَفْوَةً لِيُصْبِحَ نَشِيطًا، أَوْ يُوتِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ يَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ إِنْ اِحْتَاجَ إِلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحه الْمُتَرَتِّبَة عَلَى عِلْمه بِقُرْبِ الصُّبْح. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيُوقِظ نَائِمَكُمْ» أَيْ لِيَتَأَهَّب لِلصُّبْحِ أَيْضًا بِفِعْلِ مَا أَرَادَ مِنْ تَهَجُّدٍ قَلِيلٍ، أَوْ إِيتَارٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، أَوْ سَحُور إِنْ أَرَادَ الصَّوْم، أَوْ اِغْتِسَال أَوْ وُضُوء أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ قَبْل الْفَجْر. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة الْفَجْر: «لَيْسَ أَنْ يَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا وَصَوَّبَ يَده وَرَفَعَهَا حَتَّى يَقُول هَكَذَا وَفَرَّجَ بَيْن إِصْبَعَيْهِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّ الْفَجْر لَيْسَ الَّذِي يَقُول هَكَذَا وَجَمَعَ أَصَابِعه ثُمَّ نَكَّسَهَا إِلَى الْأَرْض وَلَكِنَّ الَّذِي يَقُول هَكَذَا وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَة عَلَى الْمُسَبِّحَة وَمَدَّ يَدَهُ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «هُوَ الْمُعْتَرِض وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُوركُمْ أَذَان بِلَال وَلَا بَيَاض الْأُفُق الْمُسْتَطِيل هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِير هَكَذَا» قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي مُعْتَرِضًا. فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بَيَان الْفَجْر الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام، وَهُوَ الْفَجْر الثَّانِي الصَّادِق، (وَالْمُسْتَطِير) بِالرَّاءِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي تَرْجَمَة الْبَاب بَيَان الْفَجْرَيْنِ. وَفيها أَيْضًا الْإِيضَاح فِي الْبَيَان، وَالْإِشَارَة لِزِيَادَةِ الْبَيَان فِي التَّعْلِيم. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1831- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنْ السَّحُورِ» ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ السِّين وَضَمِّهَا فَالْمَفْتُوح اِسْمٌ لِلْمَأْكُولِ، وَالْمَضْمُوم اِسْم لِلْفِعْلِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُنَا.
|